تتباين أوضاع المرأة الفلسطينية تبعا لتباين أوضاع الشعب الفلسطيني ، فالمرأة الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في الدول العربية تختلف أوضاعها عن المرأة في غزة ، والتي تسكن غالبيتها في المخيمات ايضا ، بينما تختلف أوضاع من في غزة عن من في الضفة ، وتختلف أوضاعها في الضفة عن أوضاع الفلسطينية في مناطق 48 أي التي تحمل المواطنة الإسرائيلية ، هذا الاختلاف في الأوضاع لا يعني إلا التشرذم وهو بحد ذاته إحد المشاكل والعقبات التي تواجه مشروع بناء حركة نسوية فلسطينية، أما أسباب وطبيعة هذه الاختلافات تعود إلى نوع الاضطهاد والقمع الذي تتعرض إليها التجمعات السكانية في مختلف المناطق المذكورة أعلاه، فالاضطهاد الذي يتعرض إليه اللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية المتخلفة اقتصاديا واجتماعيا والموجودة على هامش المجتمع العالمي، هو اضطهاد متمثل في ان اللاجئ الفلسطيني يتواجد على هامش هذا الهامش المقفر إلا من بعض المساعدات الدولية الشحيحة، إضافة إلى تشرده عن وطنه وحرمانه من تقرير مصيره مع باقي أبناء شعبه ، بينما يعاني المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من الحصارالعنصري ،التطهير العرقي المبرمج المترافق مع الهجمة العسكرية الإسرائيلية بآلياتها الثقيلة ، كل هذا من اجل إشاعة الرعب والإرهاب والقتل وعدم الشعور بالأمان ،كما ازدادت نسبة الفقر والبطالة (70%) ، اضافة الى تدمير المنازل والتهجير الجماعي الجديد كما يحصل في رفح الآن ، كل هذا أدى إلى فقدان الحد الأدنى من التوازن للمجتمع الذي هو أصلا في وضع غير طبيعي وهو وجوده في ظل الاحتلال الاستيطاني المباشر، أما الفلسطينيون الذين يسمون بعرب 48 وهم الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ، هؤلاء يعانون من التمييز العنصري والابرتهايد باعتبارهم مواطنون من الدرجة الثانية ، ذلك ان اسرائيل تعرف نفسها على أنها دولة لليهود بالدرجة الأولى.
وقد لا تتباين الأوضاع للمرأة الفلسطينية في واقع منظومة العلاقات الاجتماعية داخل مجتمع تقليدي محافظ تتحكم فيه السلطة الأبوية ، التي تتزايد تجلياتها طرديا مع تزايد العنف والقمع الممارس ضد المجتمع بأكمله ، فتكون المرأة الفلسطينية بهذا ضحية الاضطهاد المزدوج، القومي والاجتماعي ، ويمكن ملاحظة هذا من خلال التالي:
المرأة كأم شهيد: يعزز المجتمع دور المرأة كأم ، فالدور المحوري لها يكون في الأسرة ورعاية وتنشئة الاطفال ، لذلك في حالة الفقدان لأي من أطفالها فإن الحالة النفسية لها تكون مضاعفة، فأطفالها محور حياتها، عدد الاطفال الشهداء خلال انتفاضة الأقصى 863 طفل.
المرأة الفلسطينية كممرضة منزلية للجرحى: ارتفاع نسبة الاطفال المعاقين نتيجة الإصابة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ، 3530 جرحى معاقين خلال انتفاضة الأقصى، فأعباء العناية والرعاية على الطفل المعاق فهي تقع على مسؤولية ألام ، خاصة في غياب بنية تحتية وفي ظل محدودية الخدمات المؤسساتية المتوفرة لرعاية وإعادة تأهيل المعاقين.
المرأة الفلسطينية كراعية ومسؤولة عن صيانة الأسرة : في أوقات القصف أو منع التجول فالمرأة الفلسطينية هي المسؤولة عن حماية الاطفال وتوفير حس الأمان لهم.
توفير احتياجات الآسرة خلال أوقات الطوارئ : عليها ان تبذل أقصى ما تستطيع من اجل توفير احتياجات الأسرة في وضع الطوارئ ، مثل توفير الغذاء والترشيد الاقتصادي أو ممارسة الاقتصاد المنزلي.
ضحية العنف الأسرى : دائرة العنف التي يعيشها المجتمع الفلسطيني لها تأثيراتها السلبية على الأسرة وعلى المرأة بوجه التحديد ، ازدادت حالات العنف الجسدي ضد المرأة داخل الأسرة ، إضافة إلى ان هذا العنف السياسي الذي يتعرض له المجتمع الفلسطيني له تأثيرات بعيدة المدى بدأت بالظهور منذ زمن، مثل زيادة الشعور بالسلبية ونكران الذات وعدم الثقة بالنفس، الانسحاب من المواجهة من اجل الدفاع عن حقها، والاستسلام للقضاء والقدر.
كما قامت اسرائيل باستغلال قضايا مثل قضايا الشرف والعذرية من اجل ابتزاز النساء الفلسطينيات وإجبارهن على التعامل ونقل المعلومات لها، هؤلاء يواجهن خطر الموت المحدق، إما لاكتشافهن كعميلات ، أو من فضح خطيئة الشرف التي تعرضت لها في اغلب الأوقات دونما اختيارها ، هذا بدوره ايضا أدى إلى انسحاب عدد متزايد من الإناث من التفاعل مع الحياة العامة في المجتمع الفلسطيني ، وكذلك أدى إلى زيادة نسبة الزواج المبكر، وزيادة الطبيعة المحافظة للمجتمع.
انقلاب مفاجئ وغير إرادي في الأدوار الجندرية : أدى إلى إحداث خلل في العلاقات الأسرية الداخلية ، وعرض النساء إلى مواقف محفوفة بالمخاطر، حيث يلجأ الرجال إلى العنف لتأكيد سيطرتهم على العائلة.
** الإستغلال والتمييز في العمل : تمثل في :
ـ زيادة استغلال أصحاب العمل نتيجة غياب تطبيق القانون ونتيجة ارتفاع نسبة البطالة 70%.
ـ زيادة نسبة العمل الغير الرسمي بين صفوف النساء ، التمييز في فرص ونوع العمل في القطاع العام الذي يكفل بعض الحقوق خاصة التقاعد والحماية الاجتماعية في حالة الشيخوخة.
ـ ظروف عمل سيئة ، تدني أجور عمل النساء ، غياب شروط الصحة والسلامة المهنية للعمل ، 14 عاملة احترقن حتى الموت في أحد المصانع في مدينة الخليل كن يتقاضين أجرا شهريا بما يعادل 60 يورو شهريا.
ـ صعوبة وخطورة الوصول إلى أماكن العمل نتيجة الاغلاقات والحصار الإسرائيلي المفروض على كل قرية أو مدينة عبر الحواجز العسكرية. انتعاش الهيكليات التقليدية للسلطة: مثل النظام القبلي العشائري ، وهذا يكون على حساب المرأة ، حيث ان الأنظمة القبلية هي أنظمة غير ديمقراطية ومقاومة للتغيير ، وتعزز القيم الأبوية.
بقي ان نقول ان وضع المرأة الفلسطينية يبقى مراوحا مكانه، أو في حالة من الشبح على الصليب، ما دام وضع المجتمع الفلسطيني في حالة من الصلب، وفي حالة من الاستلاب الناتجة عن المصادرة المترافقة بكل أدوات القمع لكل الحقوق القومية، حيث لا يمكن ان تحصل المرأة على حقوق وعلى مكانة في مجتمع مشرد أو محاصر أو فقير ولا يملك السيطرة على مقدراته، كما لا يمكن إنجاز مشروع تحرري من دون مشاركة المرأة فيه، ورفع راية مطالبها عبره وفي سياقه "أي هذا المشروع".