كان المبدعون في فلسطين، وبشكل عام، لا يجدون مسارهم في خضم الضبابية والتعرجات التي يعيشها المشهد الثقافي بمكوناته، فإن النساء في فلسطين يعانين الأكثر بحكم ما يقع عليهن من تضاعف حرمان وقيود وتغييب كنتيجة لما يفرضه عليهن الواقع الاجتماعي الذي يعشنه. ذلك الواقع الذي لا هو اعدهن أصلا للاقتحام واقتناص الفرص ولا هو يمهد لهن فرصا خاصة تتناسب والفجوة التي تقع بينها وبين مشاركتها في الثقافة كما الحال في القطاعات الأخرى. فإلى جانب قلة النساء اللواتي تتاح لهن الفرص للاطلاع على المجالات المختلفة في الإبداع والمشاركة بإنتاجهن، تبقى مشاركة النساء الفلسطينيات بالمنافسة والبروز في المشهد الثقافي على مستوياته ومحافله محاطة بالعديد من المحظورات والقيود العائلية والمجتمعية. فمن ناحية تغيب النساء كمرجع، كما الرجال، عن المشهد الثقافي لتوثيق ما يقمن به من مساهمة في صنع التاريخ الفلسطيني على طول المراحل، وتظل العادات والتقاليد لا تسمح لهن لا بارتياد المؤسسات الثقافية ولا الاختلاط ولا تجاوز المحظور لتكون جزءا من مشهد الكتابة والإبداع من ناحية اخرى.
فإلى جانب تغييب المرأة كشاهدة راوية للقصة الفلسطينية التاريخية والحاضرة منها عبر ما يمكن ان يعتمد لها من رؤية وموقف من الأحداث والمراحل، فإن أداءها عبر الأدب والفنون والإبداع ما هو إلا تعبير عن ضعف لدور ومساهمة في تطوير المشهد الثقافي سواء على مستوى الكتابة والتأليف والنقد او حتى على مستوى قيادة المشهد بتوجهاته ورؤيتة وادارته. فالمشهد الثقافي الفلسطيني يخلو من بصمة المرأة الفلسطينية على انواعها وغنى تجربتها وقدراتها. كما يغيب الإبداع الحقيقي للنساء وراء تعب الحياة وانشغالها وحدها بأعباء وقلة التقدير للإنتاج الأدبي للرجال قبل النساء، بشكل عام. فالأدب والإبداع بشكل عام، لا يغني ولا يسمن من جوع. ولا نجد، من الأسماء التي تبرز، كما في مجالات عديدة، سوى من تيسر لهن الانفتاح على فرص تجد طريقها اليها بحكم علاقاتها وامكانياتها على انواعها، ولربما انتماءات لعائلات او طبقة او حزب سياسي، وحتى هذا الأخير يعتمد عن اي حزب نتكلم.
وقد لا تخلو جعبة الإنتاج الثقافي من ابراز لدور المرأة وأهمية ما تقوم به على الساحة الفلسطينية، وذلك عبر العديد من الأديبات والأدباء الفلسطينيين، والبعض غير الفلسطيني، والذين تعرضوا لأدوار وواقع المرأة الفلسطينية بشكل عام. إلا ان غالبية الأدبيات التي غطت واقع ودور المرأة الفلسطينية بمجملها، لم تعط المرأة الفلسطينية المسؤولية الكاملة لتغطي الصفحات كعنصر اساسي ورئيسي سواء فيما تقوم به من ادوار او حتى في تمييزها كشاهدة في تلمس التراكمات والمتغيرات التي حدثت على الساحة الفلسطينية ما قبل وما بعد أوسلو. فالإنتاج الثقافي على انواعه ظل مبتوراً بما يختصره من أدوار وخطابات ومن رؤى مجتمعية وثقافية وسياسية تغيب المرأة في مراحل تاريخية راكمت فيها مساهمات ونضج لم تسمح لها لا الأطر السياسية ولا الاجتماعية في تعميمها على الساحة.
وفي اتجاه مكمل، قد نجد العديد من المبدعات، بعيدا عن منطقة الوسط وفي القرى والمخيمات، قد لاتتجرأ بالكشف عن ما تكتب، ويظل سرها حتى مماتها. وحتى ان نشرت فهي لا تنشر كل ما تكتب لوجود المحرمات والعادات والأطر العائلية التي تحصرها. وقد نجد العديد من النساء اللواتي لا يجرأن على نشر ما كتبن، لغياب الثقة بالنفس وغياب التشجيع والدعم، إن من الأسرة او من الأطر والمؤسسات المجتمعية الثقافية وغير الثقافية.
وعلى الرغم مما يتوفر من مشاريع وبرامج تعنى بثقاقة المرأة ودورها في الإبداع وفي المشاركة في الإنتاج الثقافي، الإ ان ذلك كله يسري عليه ما يسري على الواقع الثقافي بشكل عام، يعاني من الموسمية وارتباطه بالتمويل وغياب التخطيط الاستراتيجي الذي يرصد مشاركة النساء وتفعيل مشاركتهن واسماع اصواتهن بشكل شامل ومتواصل. وبوجود الدوريات والملاحق الخاصة بالأصوات النسائية قد تتوفر بعض المنابر للأصوات الشابة والناشئة، ولكن تبقى تلك الأصوات بحاجة الى فتح الباب لها بتوفير الفرص للكتابة وللنشر، وتبنيها للتحول الى كاتبات في المجالات العديدة من الأدب، وبالتحديد القصة القصيرة والرواية والشعر، او تشجيعها للكتابة والتعبير عن صوتها والمشاركة في المنابر العامة المتاحة من صحف وغيره.
فبما يعيشه المشهد الثقافي الفلسطيني من تنافس وفهلوة السوق، قلة من النساء تمرست في اختباره، تبقى الصفحات الثقافية في الصحف، تواصل تطورها وتوسعها بمساهمة الكتاب من الرجال، خالية من الكاتبات والمبدعات. وفي إطار ثقافة توظيف تكرس المحسوبيات والفصائلية والتوزيع الطائفي ونمطية مواصفات الاختيار، وما الى ذلك من تدخلات، يغيب الدور الفاعل الحقيقي للراغبين في التغيير في المشهد الثقافي من جهة، وتبقى النساء في المواقع الثقافية، وهي قليلة، غير قادرة على المنافسة، يظللها الخجل من التحرك بجرأة للتأثير في ادارة المشهد الثقافي وتطويره.
فالمرأة الفلسطينية، كجزء من المجتمع الفلسطيني، كان لها مساهمات مهمة في التأثير على التطورات الاجتماعية والثقافية في الساحة الفلسطينية سواء في داخل فلسطين تحت الاحتلال، او في الخارج في مناطق الشتات والتي تؤهلها لتكون شاهداً اساسيا في المشهد الثقافي بكل تفاصيله وجوانبه. والذي من الممكن تحقيقه من خلال بدء العمل على تغيير صورتها وتعزيز دورها كمرجعية للرواية التاريخية الفلسطينية، إن يكن، عبر المناهج او عبر وسائل الاعلام في الأداء وفي الموقع.
فالفلسطينية كسائر نساء العالم ستظل دائما ترى الأمور من منظور آخر، بحكم ما تتمتع به من حس إنساني عال نحو الإنسان ونحو الأحداث بشكل عام. ففي ظل ما تقوم به من ادوار مهمة ومؤثرة، سواء في الأحداث اليومية من حياة الشعب الفلسطيني او بما يتراكم من تلك الأحداث ومحطات ومواقف وتغييرات في حياة ذلك الشعب، تظل المرأة شاهداً تتميز شهادته إذا ما اتيحت لها الفرص كمبدعة وككفاءة، لتساهم في صياغة وتطوير المشهد الثقافي ومضامينه.